اسمك*
الخدمة*
الدولة*
المدينة*
عنوان بريدك الإلكتروني*
رقم هاتفك*
المبلغ $*
بقلم: ياسمين يوسف
===
البحث عن الحق هو أول وظيفة عقلية يبنغي أن ينشغل بها الإنسان. فالحق هو وسيلة تحقيقنا للعدل. يقول تعالى:
“وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” ﴿الأعراف 18﴾
والعدل هو ميزان كل شيء وهو ضامن التوازن في كل شيء وبه يتحقق السلام النفسي والمجتمعي. وحالة السلام المنشودة تلك، وذلك التصالح مع النفس يجعل لدينا رغبة في جعل كل الأفكار والقناعات منطقية في أذهاننا حتى لا توجد حالة من التشكك والارتباك تُفسد ذلك التصالح وذلك السلام. ولكن للأسف، كثيرًا ما نتعجل الوصول لذلك التصالح والسلام عن طريق الاستسلام لمغالطات فكرية تُزيل الارتباك والتشكك حتى ولو على حساب الحق نفسه. نعم نحن نسعى للراحة الفكرية حتى ولو كانت عن طريق الإيمان بأفكار غير صحيحة. من تلك المغالطات، اسرد اليوم مغالطتين حول الرزق، وحول المشيئة.
اختلاق المُعضلة – الرزق
نشأت على اعتقاد أننا متساوون في الرزق وأن الله ﷻ قد قسّم الأرزاق بيننا بالتساوي لأنه سبحانه وتعالى عادل. وما لا يأخذه أحدنا من نصيبٍ من المال، يأخذه من العلم أو الأولاد أو الصحة أو القوة أو الجمال أو غيرها.
أعتقد أننا نختلق المعضلات العقلية ثم نحاول أن نخرج منها باختلاق تفسيرات ترضينا منطقيًا. فنحن نريد إثبات عدل الله ﷻ كنتيجة مسبقة. ونريد تفسير كل شيء بشكل منطقي في سبيل ذلك. وهذا منهج عقلي غير سليم لأنه يبني القناعات حول عدل الله سبحانه وتعالى على سيل من الافتراضات التي لم تثبت صحتها.
الله ﷻ عدل، ولكن
الله سبحانه وتعالى هو العدل. المشكلة، هي أننا نضع معايير غير صحيحة لعدل الله ﷻ. كأن نقول أن الله ﷻ عادل، إذًا فهو يسوي بيننا في الأرزاق. ولكننا نرى أننا لا نتساوى في الرزق، فنستنتج أن كل منا لديه 24 قيراط من كل الأرزاق مجتمعة
من مال، وجمال، وصحة، وعلم، وغيرها. وأن بعضنا لديه من الصحة، ما يوازي ما لدى الآخر من المال. أو أن بعضنا لديه الإيمان بينما ينعم الكافر بالمال والصحة، وهكذا. فماذا عن المؤمن الذي يتمتع بالصحة والمال والجمال ويعيش في دولة أوروبية عادلة؟ كيف يتساوى مع مؤمن فقير مريض مظلوم يموت من القهر في بلدٍ يتفشى فيه الظلم؟ وهل من المقبول أن نقول أنه لأن الله ﷻ عادل، فبالتالي يجب أن نتساوى جميعًا في الجمال أو في الفرص؟
لسنا متساوين
المغالطة هنا هي في افتراضنا نحن أنه يتوجب أن نكون متساوين في الرزق لأن الله عادل. وافتراض التساوي في الرزق هو افتراض غير صحيح. فالله ﷻ يقول:
المساواة في الرزق ظلم
الله ﷻ يخبرنا أننا لا نتساوى في الرزق، ونحن نصر على أننا متساوون! على العكس مما نعتقد، المساواة في الرزق، ظلم. الله ﷻ يرزق بقدر على حسب الحاجة وبما لا يُفسدنا وحسب علمه. فلا يمكن أن نتساوى في الرزق لاختلاف احتياجات كل منا ولعدم علمنا بعلم الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالأصلح لنا.
أيضًا، الرزق يستوجب السعي. فكيف يتساوى من يسعى ويجتهد ومن لا يسعى؟ هذا ظلم.
كما أن الله ﷻ قد وضع الميزان في الأرض وأمرنا ألا نفسده ثم أعطانا إرادة حرة. وتلك الإرادة ستجعل بعضنا يعتدي على أرزاق بعض. ففكرة المساواة في الرزق غير منطقية. لأن الأمر مرتبط بإرادة البشر واحتمال تعديهم على الأرزاق والحقوق ومرتبط بما إذا كنا سنسعى لاستعادة تلك الأرزاق وإذا ما كانت هناك أنظمة وقوانين وسبل تساعدنا على ذلك. وما يجعل العدل متحققًا، هو وجود يوم القيامة والحساب حيث تُقام الموازين ويتحقق العدل.
علاوة على ذلك، هناك العطاء الزيادة والذي هو مرهون بالشكر. فكيف يستوي من يشكر ومن لا يشكر في الرزق؟
إذًا لا داعي لوضع افتراضات وتقديمها على أنها حقائق مُسلّم بها، ثم نرتاح ونطمئن ونعطّل التفكير فيها.
اختلاق المُعضلة – المشيئة
من ضمن المغالطات الفكرية أيضًا، أننا نريد إثبات أن الله سبحانه وتعالى عادل ولذلك نفترض أن الهداية مرهونة بمشيئة العبد وكذلك الضلال. فيشيع القول بأن المشيئة عائدة على “من يشاء الهداية أو الضلال” من العباد في قوله تعالى:
“فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ” ﴿فاطر 8﴾
ولكن يبدو لي هذا التفسير غير منطقي ويبدو أن مبعثه هو محاولة التصالح العقلي مع النفس بعد أن ننفي “تهمة” تدخل الله ﷻ في الهداية والضلال، مما يُفترض أن يُعطّل المُحاسبة والمُساءلة. والذي يجعلني أقول أن تحليلنا غير صحيح، هو أن المشيئة لا يمكن أن تكون عائدة على الإنسان في الأمثلة التالية:
إذا كانت المشيئة غير عائدة على العبد في هذه الآيات، فلماذا نقول أن المشيئة عائدة على الشخص في الأمثلة التالية؟
لماذا نصر على جعل الإنسان هو محل المشيئة وهو لم يُذكر صراحة في الآيات؟ بل أنه عندما ذُكر الإنسان بوضوح في سياق الهداية، ذُكر مع فعل الإنابة:
وماذا نفعل بتفسير هذه الآيات؟
وهناك محاولات فكرية لتفسير هذا الأمر تستند إلى أن العبد يختار طريق الضلال أولاً بإرادته، فتكون النتيجة أن يختم الله عزّ وجلّ على قلبه أو أن يُضلّه. ولكني أجد أن هذه المحاولات رغم أنها جيدة، إلا أنها غير مكتملة. فكيف يتماشي هذا مع أن الله عزّ وجلّ يريد أن يتوب علينا وأنه سبحانه يفتح لنا باب التوبة حتى آخر العمر؟
أعلم أن هذا يثير المزيد من الأسئلة التي اراحنا منها الاستسلام للمغالطة الفكرية. أعلم أننا سنتساءل عن كيف سيحاسبنا الله ﷻ إذا كان هو سبحانه من يهدينا أو يضلنا.
ولكن، عدم وجود إجابة واضحة بعد، لا يعني اختلاق إجابة سطحية. بل يعني أن الجهد العقلي يجب أن ينصرف إلى التفكير في تأثير ذلك التدخل الإلهي في الهداية والضلال على عملية المُحاسبة والمُساءلة.
أو ربما يجب أن ينصّب الجهد على محاولة الفهم الدقيق لكلٍ من المشيئة والإرادة. وما مدلول الاختلاف بينهما على المعنى في الآيات المتقدمة؟ مثلاً، كيف نفهم الآيات التالية ونفهم الفرق بين الإرادة والمشيئة فيها؟
الأسئلة مازالت كثيرة،ولا يجب أن نعطّل التفكير ونرتاح لوجود تفسير من تصورنا افتراضًا بأن المشيئة عائدة على الشخص. العمل لم ينتهي في تلك المُعضلة الخاصة بالمشيئة بعد.
وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
يقول تعالى:
نعم، الله ﷻ هو الملك وهو المهيمن وهو متحكّم في كل شيء في السماوات والأرض يُعطي ويمنح ويمنع كما يشاء سبحانه ولا ينبغي لأيٍ منا أن يعترض على ما يفعله الله ﷻ في ملكه. علينا أن نلتزم بالعبودية في أن الله ﷻ حقًا إله يفعل ما يشاء وقد نستطيع فهم بعض العلل وراء تلك المشيئة، ولكن قد لا نستطيع فهم بعضها الآخر. فلنعمل العقل فيما نستطيع ولنبحث عن الحق وحده. سائلين الحق سبحانه أن يهدينا إليه.