اسمك*
الخدمة*
الدولة*
المدينة*
عنوان بريدك الإلكتروني*
رقم هاتفك*
المبلغ $*
بقلم: ياسمين يوسف
في 4 مارس، 2020
بداية الفكرة
في الآونة الأخيرة جمعتني لقاءات مع فتاتين لديهما شكوك حول الإيمان والدين. سألتني إحداهما لماذا خُلقنا على هيئة ذكر وأنثى؟ لماذا هذا القمع في جعل المرأة أضعف بدنيًا وجعلها أيضًا تتحمل ما لا يضطر الرجل لتحمّله كالحمل والولادة؟ من وجهة نظرها كان هذا غير عادل. وعندما سألتها وكيف سيتم تكاثر البشرية، بالانقسام كالأميبا؟ بدا لها هذا كخيار معقول. لم لا؟ والفتاة الثانية كانت تدافع عن المثلية الجنسية وتقول أنها لا تؤمن بفكرة الانجاب وأنها فكرة لا تناسب كل الأشخاص. وكانت لا تؤمن بوجود إله محدد ولكنها “تختبر” العالم و”تدركه” من خلال خبرتها الشخصية ومشاعرها وأفكارها التي تستوحيها من “الكون” channeling messages from the universe.
وكالمعتاد، أطلب منكم أن ترافقوني في تلك الرحلة الفكرية العميقة لنفهم معًا ما علاقة أفكار الفتاتين بعنوان المدونة!
لماذا فعلا؟
بدلاً من مهاجمة الأفكار التي لا تبدو فطرية، وعندما نبحث عن الحكمة من وراء الأشياء، ربما يساعدنا أحيانًا أن نسأل، ماذا لو نال كلٌ منا صورته المثلى عن العالم؟ ماذا لو لم يكن هناك ذكر وأنثى، بل نوع واحد ينقسم كالبكتريا؟ وماذا يحدث عندما يقرر شخصٌ ما عدم الانجاب؟ ربما ساعدنا التفكرّ في النتائج على فهم لماذا الأمر على ما هو عليه وليس كما نتمنى. الرابط بين السؤالين تتجلي فيه عظمة القهر الإلهي. يقول الله ﷻ في سورة الأنعام:
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
والقهر هو منعك من تحقيق مرادك. فما علاقة القهر الإلهي للإنسان بهذه الأسئلة وبعنوان المقال؟
نظام قهرٍ محكم
كانت الحياة في الجنة كما أخبرنا المولى ﷻ، تسير بلا ضغوط علينا. يقول تعالى:
“وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا” (البقرة:35)
ويقول عن أهل الجنة: “لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ” (ق:35)
وهذا يعني أنه ليس هناك قوانين حاكمة. إذا شاء أحد أهل الجنة الطيران، فلا يوجد قانون جاذبية يوقفه. ولكن بعد معصية سيدنا آدم عليه السلام، وهبوطنا إلى الأرض، انتهى عصر المعجزات وتُحكم حياتنا بقانون السبب والنتيجة. فهناك قوانين أحياء، وكيمياء، وفيزياء، تجعل كل شيء سبب ونتيجة. وهناك قوانين النفس التي تحكم الإنسان أيضًا بالسبب والنتيجة. لذلك مثلاً، لا توجد معجزة في تكاثر الإنسان (وإن كان طبعًا خلقه وتكاثره آية). يجب أن يكون هناك آلية (سبب) ينتج عنه نتيجة وهي الإنجاب. وحسب قوانين الأحياء، تتكاثر الكائنات وحيدة الخلية بالانقسام. ولا يمكن أن ينقسم مخلوق مركّب ومعقّد به ملايين الخلايا والتعقيدات كالإنسان!
كما أن انقسام الكائنات واعتمادها على نفسها بيولوجيًا، يقلل الحاجة لوجود نظام اجتماعي بكل ما فيه من دعم وتعاطف ومعنى ومشاعر إيجابية. فأي حياة تلك التي لا يحتاج فيها الإنسان لأحد ولا يتأثر سلبًا إذا قرر أن يصبح مخلوقًا وحيدًا يعيش لنفسه فقط!
ولكن لماذا ذكر وأنثى؟ لماذا لا يكون هناك ذكران يتزاوجان ويمكنهما الإنجاب؟ سنأتي لذلك لاحقًا بإذن الله. ولكن نعود لموضوع القهر ونتائجه. الله ﷻ وضعنا على الأرض وسمح لنا بممارسة حرية الاختيار والحرية المُطلقة. ولكن في الحرية المطلقة فساد هذه الأرض. فوضع لنا سبحانه نظام قهر محكم يقيّد لنا الاختيار حسب حكمة الحكيم الخبير كي يستطيع الإنسان أن:
ذكرنا مثالاً للقهر في مثال قانون الجاذبية الأرضية. فما هي أنواع القهر الأخرى؟
القهر البيولوجي
أول الأنواع التي نتناولها في هذا الشأن هو القهر البيولوجي. أنت مجبورٌ على احتياجاك للماء والغذاء. وهذا يمثّل لك حافزًا ودافعًا للسعي وطلب الرزق. وكلنا نرى نماذج الأثرياء الذين جعل منهم ثراؤهم عالة على المجتمع لأنهم لا يحتاجون للسعي ولا لكسب الرزق لإيجاد الماء والغذاء. في الجنة لم تكن لدينا مشكلة إيجاد الماء والغذاء.
يقول تعالى في سورة طه:
“فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ“.
ففي الجنة، لا شقاء ولا حاجة للسعي. فلدينا كل ما نريد من ماء، وغذاء، وكساء، ودرجة حرارة معتدلة. ولكن على الأرض، يجب أن نسعى وفق قانون السبب والنتيجة لتحقيق كل تلك الاحتياجات. تخيّل لو لم يكن لديك احتياج للبحث عن ماء، وغذاء، ومأوى، ألم تكن رغبتك في السعي أو أولوية السعي في حياتك تقل؟ وبالتالي، هناك قهر الاحتياجات ليتحقق السعي.
كما أنك مقهورٌ بالحاجة للتزاوج. وبالتالي تسعى لتوفير احتياجات الزواج وتسعى لتطوير نفسك وتحقيق مكانة تضمن لك جاذبية اجتماعية، فقط لتحصيل الزواج حتى ولو بدون مشاعر الحب (التي سنأتي لها لاحقًا). يقول الإعلامي الشهير “ستيف هارفي” في أحد برامجه أن الرغبة في التزاوج في الغالب هي القوة الدافعة للرجل في حياته. فهو يقول عن نفسه أن هذا كان هو الدافع لديه فحرص على أن يلتحق بالجامعة وإيجاد عمل وجمع المال من أجل ذلك. بل أنه يعتني بنظافته الشخصية وبمظهره ويرتدي الملابس الفاخرة من أجل ذلك أيضًا!
كما أن القهر البيولوجي وقانون السبب والنتيجة، يبعث على تهذيب الأخلاق. فهناك آلية للمتعة الجسدية. وينتج عنها نتائج بيولوجية لا يمكن إيقافها. كالأمراض الجنسية المعدية الناتجة عن تعدد العلاقات الجنسية. وكالمشاكل الصحية والنفسية للشواذ جنسيًا وللتحول الجنسي. وكالحمل، الذي إذا اكتمل، يجب أن يخرج الطفل من الجسد في قهرٍ بيولوجيٍ آخر لا يمكن إيقافه وليس للمرأة دخل في منعه. ويجب حينها تحمّل الشخص لجميع تبعات قراراته.
التشريع الإلهي ودوره في القهر البيولوجي
وهنا يأتي دور التشريع الإلهي الذي يجعل للقهر البيولوجي معنى. فدعاة الحرية المطلقة يريدون تحقيق كل الحاجات البيولوجية بلا حدود ولا ضوابط وبهمجية مطلقة. ولكن الله ﷻ جعل للزواج ضوابط وأحاطه بالمسؤوليات والحقوق الواضحة. وجعل له شروط الأهلية والإشهار والقبول المجتمعي ووضع له من الضوابط ما لا يتحقق إلا ببنائك لنفسك وبتهذيبك لخلقك وسعيك لتوفير متطلبات الزواج. وهناك التشريع حول الإجهاض أيضًا كمثال آخر تجعل من قتل الجنين، قتل نفس لا تختلف عن قتله بعد الولادة، يحد ذلك من العبثية في الاستمتاع الجسدي وعدم الاكتراث بقتل النفس إذا نتج الحمل عن تلك المتعة الجسدية. وهنا أيضًا يأتي دور القهر الوجداني.
القهر الوجداني
أنت مقهورُ بمشاعر الذنب والإحراج والحياء والتي يتم تفعيلها بقانون السبب والنتيجة بناءً على سلوكياتك. وهي من المفترض أن تمنعك من الانحلال الكامل والخروج عن نطاق التشريع الديني والقبول المجتمعي.
كما أنك مقهورٌ برغبتك في إيجاد معنى لحياتك ومجبورٌ بعدم استقرار حياتك وميزان مشاعرك بدون تحقيق هذا المعنى. وفي هذا دافع لك للبذل والعطاء حتى بدون مكسب مالي ليتحقق لديك شعور السعادة، والذي هو أداة قهرٍ أيضًا تدفعك للسعي نحو ما يسعدك. يسمّي الطبيب النفسي “فيكتور فرانكيل” هذا القهر الأصيل في الإنسان “بالضرر الوجودي” أو “المحنة الوجودية” existential distress والذي يدفعك دومًا للبحث عن معنى وقيمة لحياتك. وهنا يتجلى اسم الله ﷻ “الضار“. فهو نوع من الضرر الموجود لديك والذي يدفعك للبحث عن المعنى وتبدأ بهذا رحلة هدايتك التي نظمها “الهادي” سبحانه ببراعة. فعندما لا يكون القهر البيولوجي والرغبة في القبول المجتمعي هي ما يهم الشخص لتهذيب النفس، يأتي قهر الحياء والرغبة في إيجاد المعنى، لتوجيهك إلى الحياة الأخلاقية المهذبة.
علاوة على ذلك، أنت مقهورُ بإحتياجك للأمان وهذا مدعومٌ بقهر شعور الخوف. يدفعك هذا للبحث عن مأوى والسعي لكسب الرزق أيضًا لتوفير المسكن. والذي يقهرك في السعي للبحث عنه أيضًا حاجاتك للزواج (قهر بيولوجي) والذي لن يتحقق حتى يكون لديك مكان تعيش فيه.
زد على ذلك أنك مقهورٌ بفطرة الحياء والبحث عن الستر. يدفعك هذا القهر الوجداني أيضًا إلى السعي لاتخاذ مسكن تنعم فيه بالخصوصية والستر لتحقيق كل حاجاتك البيولوجية (كالإخراج والتزاوج) والوجدانية كالحاجة للأمان.
لذلك ففي الجنة كنا في ستر وغطاء عن فطرة الحياء تلك. يقول تعالى:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ” (طه: 117-119)
ولكن بالمعصية، وجب القهر الإلهي الذي يضمن أن يجعل للإنسان تكريمًا فوق الحيوان الذي يفعل كل شيئ في العراء. واستكمالاً للآيات السابقة، يقول تعالى:
“فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ” (طه:120-121)
كما أنك مقهورٌ بمشاعر الغضب التي تجتاحك عند حدوث انتهاك للحقوق ومشاعر الحزن التي تكتنفك عند الخسارة. وبالتالي تحثك تلك المشاعر على النهوض لاستعادة الحقوق وللحفاظ على ما لديك والامتنان لامتلاكه.
ولكن في الجنة، لا نحتاج لقهر المشاعر وسينزع الله ﷻ كل أغلال المشاعر التي تقيّد الحصول على السلام والسعادة. يقول تعالى:
“وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ” (الحجر:47)
سبحان من قهر عباده بالحب!
نردد كثيرًا، سبحان من قهر عباده بالموت! والموت فعلا من أكبر وآخر مراحل القهر الإلهي في حياة الإنسان على الأرض. ولكن ماذا عن قهر الحب الذي يُصلح الحياة؟ ألا يقهر الحب الإنسان فوق كل تخيّل؟! إن مشاعر الحب الطاغية لدى الإنسان لهي من أكبر حوافزه في الحياة ومن أكثر ما يقهره ويجبره على فعل ما لا يريد فعله. فبسم الحب، تحدث تضحيات كثيرة من الأب والأم تجاه الأبناء، ومن الأبناء تجاه الآباء والأمهات، ومن كل محب لحبيبه. يفعل الإنسان كل ما هو غير منطقي وكل ما لم يتوقع فعله أبدًا من أجل اسعاد من يحب، أو القرب منه، أو حمايته. فإذا لم يكن الإنسان مزوّدًا بالقدرة على الحب، لم تكن تلك التضحيات لتحدث بكل ما يصاحبها من نمو وجداني، وتحكم في النفس، وتعاطف، وحرص، وأمل، ورجاء، ورضاً رغم كل شيئ! وكيف كان سيتحوّل شاب يقضي وقته في العمل، والألعاب الالكترونية، والسمر مع الأصدقاء، إلى شخص يسعى لتطوير نفسه ولتأهيل نفسه وللتخلي عن الكثير مما اعتاد عليه لولا أن أصابه قهر الحب؟! فمن لا يقهره القهر البيولوجي، يقهره القهر الوجداني فيجبره على النمو وتهذيب النفس وتزكيتها وتطويرها، وبالتأكيد يقهره الحب!
وبحب الأم أو الأب للأبناء، معجزة قهر تجعل عالمهما يتمحور في كل تفاصيل الحياة حول الأبناء! فهما يبذلان كل ثمينٍ وغالٍ ويتخذان قرارات لم يكونا ليتخذاها لولا وجود الأبناء ويغيّران من نمط حياتهما بالكلية من أجل هذا الطفل! ولصديقتي المستنيرة التي تبحث عن التجربة الشخصية والنمو الوجداني عن طريق مراقبة الكون ومشاعرها الداخلية، كيف يمكن للنمو الوجداني أن يكتمل بهذا الحد القريب إلى الكمال، بدون تجربة الانجاب (لا حرم الله منها من يتمناها)! كيف سنتعلم الحب، والإيثار، وقهر النفس وجبرها على قرارات لا تريدها كالسفر، والانتظار، أو العمل في مجالٍ ما، أو التغاضي عن ضررٍ واقع على النفس، أو العمل المُضني في ظروف قاسية… كيف يمكن أن يتحقق كل ذلك النمو الوجداني والذكاء العاطفي بدون ذلك الحب الجارف الذي يبرر كل شيئ ويجعله بديهيًا ومنطقيًا في أعين المحب؟!
لماذا الذكر والأنثى؟
بنفس المنهجية، لنجيب على هذا السؤال نحتاج أن نتخيل عالم من النساء فقط أو من الرجال فقط ولكل منهم القدرة على الانجاب. بالطبع ستواجهنا أولاً بعض المشكلات اللوجستية. فإذا كان الكوكب من الرجال فقط وتزوج رجلان وبما أن لدى كل منهما القدرة على الانجاب، ماذا لو انجبا في نفس الوقت؟ من سيعتني بمن؟ ومن سيكسب الرزق؟ ومن سيقدم الدعم المعنوي لمن؟ كما أن الطبيعة الواحدة تنتج حتمية الندية. كلنا نرى الندية والتنافس بين الرجال والندية والتنافس بين النساء. لذلك حتى في علاقة الشواذ جنسيًا، تجد أحدهما يتمثل دور أضعف وأرق و”أكثر نسوية” بينما يقوم الآخر بدور القوي المتمكن. فحتى عندما حاول الانسان اختلاق وفرض واقع غير ما شرعه الله ﷻ أخلاقيًا وبيولوجيًا، اضطر لجعل طرف من طرفي العلاقة أضعف من الآخر ومختلف عنه في طبيعة تقديمه لهيئته وملابسه فتجده يضع مساحيق التجميل ويرتدي ملابس النساء ويحاول أن يبدو جسده مثلهن! بينما نجد في اختلاف الذكر والأنثى تكامل ورحمة وسكينة وتوافق مع مراعاة الفطرة السليمة.
ولكن الأهم هو أن نسأل، أليس العالم أجمل بوجود الرجل والمرأة؟ هناك الكثير من الجمال في ذلك التكامل في الصفات بين الضعف الجسدي والقوة الجسدية وفي ذلك الاحتياج العاطفي المختلف في طبيعته بين الرجل والمرأة. هناك جمال وسكينة وتكامل في اختلاف أدوارهما في الحياة وفي ارتباط المرأة وجدانيًا بالطفل بشكل أكبر من الرجل، في حين يتمتع الرجل بفراغ وجداني وذهني وجسدي للعناية بتلك الأسرة. هناك تنوع في الحياة وفي المهارات، والقدرات، والاهتمامات تجعل كل من الذكر والأنثى قادر على أشياء لا يقدر عليها النوع الآخر! فما أجمل حقيقة وجود الذكر والأنثى! وما أعظم بديهية الفكرة!
في القهر البيولوجي والوجداني كل الحياة
إن التحرر الكامل غير ممكن في ظل وجود قهر بيولوجي ووجداني، بدون التحرر من الأخلاقيات الحاكمة لهما. لذلك فتجد دعاة الحرية الجسدية يعادون التقيّد الأخلاقي بالحياء ويعادون كل ما هو فطري حتى عاطفة الأمومة فيفضلون الأنانية الفردية ويدعمون الإجهاض مثلاً لكونه يحد من حرية المرأة وسيطرتها على جسدها ويجبرها على العناية بطفل لا تريده. ولازلت لا أفهم ما الفارق بين قتل الجنين قبل الولادة وبين قتل الوليد بعد الولادة؟ فالوليد بعد الولادة يحد أكثر من حرية المرأة ويجعلها غير قادرة على ممارسة حياتها كما تريدها! وتجدهم يدعمون الإباحية الجنسية في وقت مبكر من حياة الشباب ولكنهم يعادون وبقوة الزواج المبكر إذا سمح به الدين (الهمجي من وجهة نظرهم)!! ولكن لا مكان للمنطق أو الأخلاق في ظل الرغبة الفردية الأنانية في التحرر من ذلك القهر الفطري! فيجب أن يُقتل الضمير، حتى تتعطل المشاعر الفطرية ولا يشعر الإنسان بالذنب أو الإحراج في أي فعلٍ يفعله!
إن القهر البيولوجي والوجداني واحتكامهما للقهر الأخلاقي، فيه السلام النفسي، والتوزان، والحب، والمشاعر الجميلة، والاضطرار للسعي، والتضحية، والبذل والعطاء وايجاد المعنى في الحياة. إن فيه الحافز والدافع لتنهض من فراشك كل يوم مهما كانت العقبات والظروف! إن فيه الاجبار على الاختلاط بالناس والاحتكاك بهم والتنازل عن بعض ما تريد في سبيل عمل موازنات معهم للحصول على ما تحتاج. إن فيه كل الحياة!
فسبحان الله ﷻ الواحد القهّار! فقط نحتاج أن نسلّم لحكمته ولخبرته بنا لنرضى بقهره الجميل لنا!
“وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” ﴿١٨ الأنعام﴾