اسمك*
الخدمة*
الدولة*
المدينة*
عنوان بريدك الإلكتروني*
رقم هاتفك*
المبلغ $*
بقلم: ياسمين يوسف
26 يناير، 2021
يقول الله ﷻ في سورة الزمر:
“أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
نعلم أن هذه الآية الكريمة تحدّثنا عن أن الله ﷻ يكفي عباده مصارع السوء والمخاوف. يجعل هذا وقع الآية على النفس وقع اطمئنان بأن الله ﷻ يكفيك السوء ويجنّبك المهالك. ولكن اليوم، دعونا نتعمّق أكثر في مفهوم “الكفاية” ليصبح لذلك السؤال الاستنكاري بالآية، وقعًا جديدًا على مسامعك. يقول الله ﷻ:
الآن تأمل في معنى أن الله ﷻ “يكفيك“. أي يُغنيك عن كل شىءٍ آخر. فهو الله ﷻ بكل أسمائه الحسنى بكل ما فيها من كمال، وجمال، وعظمة، ومعانٍ تشتمل على العناية بكل أمور حياتك. ألا يكفيك كل هذا؟ ألا يكون كل هذا كافٍ لك؟ هنا يصبح السؤال في قوله تعالى “أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ”، سؤالاً استنكاريًا صادمًا يدفعك ولابد من مراجعة قناعاتك.
حقًا، ألا يكفيك أنه ﷻ الغني المُغني وأنه يرزقك، ويهبك الزيادة ويغنيك كل هذا عن الدنيا وما فيها؟
ألا يكفيك أنه خبيرٌ، عليمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، حكيمٌ، رشيدٌ، فتتبع أوامره بل أدنى شك ولا ريب؟
ألا يكفيك أنه حقٌ، وعدلٌ، ومقسطٌ، وحكمٌ، فلا تتشكك في أحكامه للحظة ولا ترتاب تجاه ما قضى؟
ألا يكفيك أنه الواحد، القدوس، الملك، ذو الجلال والإكرام، المهيمن، مالك المُلك فتعبده وتقدّسه، ولا تجد حرجًا ولا غضاضةً في الرضوخ لكل أوامره؟
ألا يكفيك أنه الودود، الرحيم، الرؤوف، الحليم، الكريم، الحميد، الستير فتحبه وتتودد إليه وتحمده على كل صغيرة وكبيرة في حياتك؟ ألا يكفيك هذا الحبيب؟!
ألا يكفيك أنه الغفّار، الغفور، التواب، العفو، فتحيا بأمل البدايات الجديدة وإمكانية صلاح أمرك ووصولك لأفضل نسخة من نفسك؟
ألا يكفيك أنه سبحانه الجبّار، القهار، المميت، القابض، الخافض، المُذل، المانع، المؤخّر، فتخشاه وتهابه وتستنكف عن معصيته؟
ألا يكفيك أنه ﷻ الواسع، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الباقي، الوارث، فتستسلم لحضوره ومعيته الذي يملك عليك كل كيانك؟
ألا يكفيك أنه العظيم، الجليل، الكبير، العلي، المجيد، المتكبر، فتتضاءل أمامه وتتورع عن عدم تقديره حق قدره؟!
ألا يكفيك أنه الحفيظ، الوكيل، الولي، القوي، المتين، المؤمن، السلام، المُجيب، فتُلقي بكل حاجاتك ومعاناتك على أعتاب بابه ويطمئن هذا القلب المضطرب بداخلك؟
ألا يكفيك أنه البديع، المصوّر، الخالق، المبدئ، المُعيد، البارىء، فتمشي في الكون وتتأمل في نفسك مشدوهًا مبهورًا بآياته؟
ألا يكفيك أنه المُحيي، الباسط، الرافع، المُعز، الجامع، الهادي، النافع، الصبور، فتنطلق في هذا الكون تعميرًا وفاعليةً مسلّحًا بكل أدوات العمران؟
ألا يكفيك أنه سبحانه هو الرقيب، الشهيد، الحسيب، المُحصي، فتراقب كل فعل وقول وتنضبط كل أمور حياتك؟
ألا يكفيك ربك؟ أليس كل هذا كافٍ لك لتفعيلك نحو العبودية التامة؟! ما الذي يمكن أن يكفيك إذًا إن لم يكفيك كل هذا!
يقول ابن القيّم رحمه الله في قوله تعالى “أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ“:
“والكفاية التامة مع العبودية التامة، والناقصة مع الناقصة. فمن وجد خيرًا فليحمد الله ﷻ. ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.”
ابن القيّم
ولهذه المقولة معنىً فلسفيًا عظيمًا نستخلصه من الإيمان بالأسماء الحسنى. تأمّل فيها. إن ما يستطيع أن ينقذك من دمارك الداخلي هو المعتقدات التي تؤمن بها. لذلك فالإيمان حقًا هو أداة نجاتك الوحيدة. فإذا لم يكفيك أن الله ﷻ هو الغني، الرزاق، الوهاب، المُغني، ولم تؤمن بعبودية تامة بهذه الأسماء الحسنى، ستعيش حياة الجزع، والخوف على الرزق وسيدفعك هذا لسلوكيات ربما لا تُحمد عقباها للوصول لهذا الرزق. وقد تتقبل المهانة في سبيل الحصول على هذا الرزق. فليس هناك كفاية من الله ﷻ لك في هذا الموقف لنقص عبوديتك له فيما يتعلق بهذه القناعات. أما إذا انضبطت قناعاتك، فسيكفيك ويطمئنك أن الله ﷻ اتصف بهذه الصفات وتنطلق في الحياة ساعيًا للرزق غير جازع وستتمتع بالرضا بغضّ النظر عن قدر ما تحقق من مال.
قِس على ذلك كل أمر آخر ترجو من الله ﷻ أن يكفيك. ولكن الإجابة بداخلك أنت. أليس الله ﷻ بكافيك؟ ألا يكفيك أنه أتصف بكل صفات الكمال التي تنسحب على كل مواقف حياتك فتضبط قناعاتك فتكفيك فيها جميعها؟ “أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ!!! أولا يكون الله ﷻ بكل صفات كماله وجلاله كافيًا للعبد الذي يؤمن به؟! أيُعقل هذا! ألا يكفيك الله ﷻ؟!
إن الإنسان بنقصه، وعثراته، يستنكر ألا يكون كافيًا لدى من يحب، فما بالنا برب العالمين ذي الكمال والجلال!! إذا وقعت علينا تلك الآية الكريمة بسؤالها الاستنكاري هذا الوقع الصادم، فلن نملك إلا الخجل والاستغفار بين يدي الله ﷻ ثم الاطمئنان بكفايته.